صحافة دولية

نفوذ الصين الدوائي هو "الخيار النووي" في محادثات التجارة مع الولايات المتحدة

هيمنة صينية على الإمداد العالمي للمكونات الصيدلانية الفعالة- إكس
هيمنة صينية على الإمداد العالمي للمكونات الصيدلانية الفعالة- إكس
نشرت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية تقريرا يسلط الضوء على النفوذ الكبير الذي تملكه الصين في سلاسل إمداد الأدوية العالمية بفضل سيطرتها على المكونات الصيدلانية الفعالة، ما يمنحها ورقة ضغط قوية في محادثات التجارة مع الولايات المتحدة.

وحذّرت الوكالة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، من احتمال لجوء بكين إلى "تسليح" هذا النفوذ إذا تصاعدت الحرب التجارية في ظل اعتماد واشنطن الكبير على المكونات الدوائية القادمة من الصين.

وتهيمن الصين على الإمداد العالمي للمكونات الصيدلانية الفعالة، وهي المواد الأساسية المعتمدة في تركيب الأدوية التجارية، الأمر الذي يمنحها نفوذًا يسمح لها بانتزاع تنازلات من الولايات المتحدة.

وأضافت الوكالة أن اعتماد الولايات المتحدة على الصين في صادرات هذه المكونات يشكل خطرًا متناميًا، إذ لم تهدد بكين بشكل مباشر إمدادات الأدوية حتى الآن، لكنها قد تغيّر موقفها إذا تصاعدت الحرب التجارية.

أما الولايات المتحدة، فهي معرضة لهشاشة واضحة أمام هيمنة الصين على القطاع الدوائي، إذ يُصنّع نحو 700 دواء أمريكي باستخدام مكوّن رئيسي واحد على الأقل مصدره حصريًا الصين، فيما يحذر الخبراء من "احتمال حقيقي" بأن تستخدم بكين هذا النفوذ كسلاح.

وأوضحت بلومبرغ أن قبضة الرئيس الصيني شي جين بينغ على المعادن النادرة تمنح بلاده نفوذًا غير مسبوق لانتزاع تنازلات من واشنطن خلال المحادثات الجارية هذا الأسبوع في كوالالمبور، حيث يشمل احتياط الصين سيطرة على سلسلة إمداد أكثر حيوية وهي سلسلة الأدوية.

وتستمد الصين قوتها من قبضتها المحكمة على الإمداد العالمي للمكونات الصيدلانية الفعالة، وامتداد نفوذها إلى المواد الكيميائية الخام والمذيبات والكواشف المعروفة باسم "مواد البداية الرئيسية" اللازمة لتصنيع تلك المكونات.

اظهار أخبار متعلقة



ونقلت الوكالة عن مسؤولين أمريكيين ومفاوضين تجاريين سابقين ومحللين أن اعتماد الولايات المتحدة على بكين في هذه الصادرات يشكل خطرًا كبيرًا لا يمكن تجاهله، على الرغم أن الصين لم تهدد حتى الآن بإمدادات الأدوية، مشيرين إلى أن الرد الدولي القوي المحتمل حال تدخل بكين في العلاجات المنقذة للحياة يردعها عن استخدام هذا النفوذ في الوقت الراهن.

وفي السياق ذاته، قال النائب الجمهوري جون مولينار، رئيس اللجنة الخاصة بالصين في مجلس النواب الأمريكي، لوكالة بلومبرغ: "لقد أظهرت الصين استعدادها لتسليح نفوذها الاقتصادي بما يخدم مصالحها، والأدوية ومكوناتها ليست استثناءً. نحن بحاجة إلى بناء المرونة وتأمين سلاسل الإمداد".

وأشارت إلى أن شي جين بينغ كان قد كشف عن قيود على التصدير يمكن أن تؤثر في المجال الطبي، إذ شملت قيود الصين على سبعة معادن في أبريل/ نيسان مغانط قوية لأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي، وتبعتها هذا الشهر إجراءات استهدفت خمسة عناصر أخرى من بينها الثوليوم والإربيوم الضروريان لأجهزة الليزر الطبية.

وحرصت الصين حتى الآن على التأكيد أن هدفها من هذه القيود هو منع وصول المواد إلى الصناعات الدفاعية، مع استثناء السيناريوهات ذات الطابع الإنساني، في إشارة إلى إدراكها لحساسية المسائل الصحية.

من جانبه، قال سون تشنغهاو، الباحث في جامعة تسينغهوا ببكين، إن توسيع حرب التجارة لتشمل القطاع الصيدلاني سيقوّض مصداقية الصين، موضحًا أن "الصيدلة تتعلق بصحة الإنسان وحياته ذاتها، وتحويلها إلى أداة جيوسياسية يتعارض مع فلسفة الصين الدبلوماسية".

وقالت الوكالة إن وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت ونائب رئيس الوزراء الصيني هي ليفينغ يسعيان هذا الأسبوع في ماليزيا إلى تهدئة التوترات الجمركية بين بلديهما، قبل أيام من اجتماع قادة رفيع المخاطر في كوريا الجنوبية.

وقد أقر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقبل لقائه المرتقب مع نظيره الصيني شي جين بينغ، بهشاشة الموقف الأمريكي، متعهدًا بإعادة إنتاج الأدوية إلى الداخل، قائلاً في مقابلة مع قناة "فوكس بيزنس" يوم الأحد: "كل شيء سيعود، وسأفرض رسومًا جمركية على الأدوية ما لم تُنتج هنا".

وأوضحت بلومبرغ أن قبضة بكين على قطاع الأدوية العالمي تشبه في بعض جوانبها هيمنتها على المعادن النادرة، إلا أن طبيعة عمليات الإنتاج وسلاسل الإمداد في المجال الدوائي تختلف إلى حدٍّ ما.

ومع ذلك، يرى يان تشونغ هوانغ، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية، أن هناك "احتمالًا حقيقيًا" لتسليح الصين هذا النفوذ.

وقال إن "بكين أبدت وعيًا واضحًا بهذه الورقة"، مشيرًا إلى التهديدات التي نشرتها وسائل الإعلام الرسمية الصينية خلال جائحة كورونا بشأن فرض قيود على صادرات الأدوية ردًا على حظر السفر الأمريكي.

وبيّن هوانغ أن ما يدفع بكين إلى التريث هو يقينها بأن أي خطوة من هذا النوع ستقابل بردٍّ قاسٍ، إذ أن فرض حظر على الأدوية سيحرم المرضى الصينيين من الوصول إلى العلاجات الأمريكية المتقدمة للسرطان والأدوية الحيوية، كما سيؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة نتيجة بحث العملاء العالميين عن بدائل أخرى.

اظهار أخبار متعلقة



مشاكل الأدوية الجنيسة
وقالت الوكالة إن تقريرًا صدر الأسبوع الماضي عن "الدستور الأمريكي للأدوية"، وهي الجهة المسؤولة عن وضع معايير الصناعة الدوائية، كشف أن نحو 700 دواء أمريكي يُصنّع باستخدام مكوّن رئيسي واحد على الأقل مصدره حصريًا الصين. فعلى سبيل المثال، يعتمد تخليق الأموكسيسيلين – أحد أكثر المضادات الحيوية استخدامًا في الولايات المتحدة – على أربع مواد بداية رئيسية تُنتج جميعها تقريبًا في الصين.

ومن شأن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب أن تدفع شركات الأدوية الكبرى إلى إنشاء منشآت جديدة لضمان استقرار سلاسل الإمداد الخاصة بالأدوية الرائجة، غير أن هذا التوجه لا ينطبق على الأدوية الجنيسة التي تهيمن الصين على إنتاجها.

وتمثل سيطرة بكين التهديد الأكبر لهذه الأدوية منخفضة التكلفة، التي تشكل نحو 90 بالمئة من الوصفات الطبية في الولايات المتحدة. كما أن تصنيع المكونات الصيدلانية الفعالة يُعد ملوثًا للغاية، وبسبب هوامش الربح المحدودة في هذا القطاع، فإن إعادة هذا النوع من الإنتاج إلى دول ذات لوائح بيئية صارمة لا يُعد خيارًا مجديًا اقتصاديًا.
التعليقات (0)